الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المفكر يوسف الصديق: الإسلام السياسي كارثة على تونس وأدعو الغنوشي إلى محاورتي

نشر في  08 جويلية 2015  (10:14)

تعرّض المفكر والفيلسوف والباحث الأنثروبولوجي يوسف الصديق هذه الأيام إلى حملة «عشواء أمية» حيث اتّهم من قبل المجلس الإسلامي الأعلى بتونس بتحريف القرآن والمروق عن الدين كما تم تشبيهه بسلمان رشدي وذلك من خلال مراسلة وجهت إلى إدارة الإذاعة الوطنية على خلفية البرنامج الحضاري «عيال الله» الذي  يهتم بالشأن الديني من زاوية تعتمد الدراسات العلمية منهجاً لها ويقدمه الإعلامي ومدير إذاعة تونس الثقافية السابق محمد الصالح العبيدي، ويحاور فيه المفكر يوسف الصديق.
ونتيجة لهذه التهم الخطيرة التي «أبدعها» المجلس الإسلامي الأعلى، قررت رئاسة الحكومة إقالة عبد الله الوصيف رئيس المجلس وهو ما هدّأ من روع النفوس قليلا خاصة وأننا نعيش تحت وطأة احتقان اجتماعي لا يقبل التحريض على العنف حتى ولو كان غير «علني ومباشر».
وفي  هذا الإطار أجرت أخبار الجمهورية هذا الحوار مع المفكر يوسف الصديق الذي تطرقنا من خلاله إلى العديد من المسائل الهامة  كما كشف لنا ضمنه  كيف «رضع» الوطنية منذ نعومة أظفاره...

ـ في البداية، اتهمك المجلس الإسلامي الأعلى هذه الأيام بتحريف القرآن والمروق عن الدين مشبها إياك بسلمان رشدي على خلفية البرنامج الحضاري «عيال الله»، فماهو ردك؟
أنا لا أستغرب هذا الموقف من مجلس تاريخه «مشوه» فهو يلاحقني بتهمه «الجازفة» منذ  نشأته وانطلاق نشاطه في التسعينات أوائل فترة حكم بن علي، حيث كان من باب الصدفة في ذلك الوقت أني قررت في المهجر إصدار سلسلة مصوّرة موجهة للشباب الناشئ تروي القصص القرآني واسمها «نحن نقصّ عليك أحسن القصص من القرآن الكريم» وذلك سنة 1990.
وقبل إصدارها في تلك الفترة خيّرت القدوم إلى تونس قصد أخذ إذن السلط الدينية التونسية على أساس أنها عمل تربوي لا يهدف إلى المس من الدين ولا إلى خدشه بل على العكس فهو عمل موجه إلى فئة الشباب يقوم بالاعتماد على المناهج الحديثة على تسيير وبسط فهم القرآن ومعانيه كما أنه يعتمد على السنة النبوية فسيدنا محمد (ص) كان يسمح لسيدتنا عائشة وهي طفلة بأن تلعب بالدمى..
لكن وبعد أن تقدمت بالمنشور إلى الشيخ المرحوم التهامي النقاط وهو المسؤول عن المجلس الإسلامي الذي اعتبر سلطة استشارية في ذلك الوقت، قمت بإصدار السلسلة فتمت محاكمتي على طريقة القرون الوسطى..
ـ هل لك أن تحدثنا أكثر عن هذه السلسلة المصورة وكيف وقعت محاكمتها وانتقادها بشدة؟
هي سلسلة تربوية راقية تتضمن 3 ألبومات. الأول يروي قصة سيدنا ابراهيم والثاني يتحدث عن الأسياد يونس وصالح وهود وأما الثالث فهو يجسد بدايات الإسلام واسمه «أصحاب الفيل». وقد حققت هذه السلسلة في أوروبا نجاحا باهرا منقطع النظير حيث نفذت جميع النسخ ولم تبق أي واحدة منذ زمان.
لكن تمّ وصفها من قبل المجلس الإسلامي الأعلى على أنها «بدعة وضلالة» وتم تحريم توزيعها في تونس وفي البلدان الإسلامية والأدهى من هذا أنه وقع الكذب عليّ والقول بأنّ سلسلتي صورت الأنبياء  والرسل وهذا كلام خاطئ وخطير..
ـ كيف تلقيت خبر إقالة رئيس المجلس عبد الله الوصيف من قبل رئاسة الحكومة بعد الاتهامات التي وجهت لك؟
هذا القرار ليس كافيا، حيث سأتولى هذه الأيام رفع قضية عدلية ضد رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عبد الله الوصيف على خلفية التهديدات الخطيرة «الباطلة» التي طالتني. وسوف  ألجأ إلى المحكمة الإدارية لرفع هذه القضية التي سأطالب من خلالها بضرورة حلّ هذا المجلس وإنهاء مهامه خاصة وأنه ينشط بصفة لا دستورية ولا قانونية منذ أن تمّ إحداثه.
كما أنّ رفعي لهذه القضية  ليس لأجل شخصي بل لمصلحة مؤسسات البلاد التي يستوجب تطهيرها وحتى تنأى البلاد والعباد عن «مخاطر» هذا الجهاز الذي لا معنى له.  
وأعيدها وأقول إنني لم أستغرب أبدا من اتهامات هذا المجلس خاصة وأنّ كل أعضائه تحوّلوا إلى «نهضاويين» بين ليلة وضحاها سنة 2011 عوض أن يكون منتخبا وشرعيا..
اليوم يجب أن نعيد النظر في تداخل كلّ العناصر التي أدت إلى تنامي الإرهاب وانتشار الفكر التكفيري ونبذ الاختلاف. لقد أصبحت الدولة من الداخل «منخورة» من قبل هذا الفكر التكفيري  السلفي المتشدد والذي ينتمي إلى جهازها.
ـ هل يعتبر هذا اتهاما غير مباشر لحركة النهضة بالوقوف وراء بيان المجلس الإسلامي الأعلى؟
كنت قد ذكرت في كتابي «الثورة المنقوصة» الصادر باللغة الفرنسية أنه مهما يكن المنهج «التكتيكي» الذي تتبعه حركة النهضة خاصة للبقاء في عتبة الحكم فإنّ هدفها ومشروعها يظل واحدا وهو أن الوطن ينتهي لصالح ما يسمى بالأمة الإسلامية وللوصول إلى هذا الهدف يمكن التضحية بالوطن وكل السبل متاحة وجائزة بالنسبة لهم.
لكن تجدر الإشارة وأنه منذ الأحداث التي وقعت في مصر وهي استلام الجيش للحكم وإنهاء حكم الإخوان، باتت حركة النهضة تتوجسّ مصيرا مشابها لإخوان مصر بل تأكدت أنها يمكن أن تلاقيه في يوم ما لذلك رأينا قواعدها تتراجع عن مواقفها الثابتة كموقفها من المثلية الجنسية..
فهل ننسى أنهم كانوا وراء التستر على الإرهابيين الذين انتشروا في كل مكان في فترة حكمهم.. النهضة تريد بسط يدها ونفوذها على كلّ البلاد بكل الوسائل والطرق.
ـ هل تعتبر أن اتهامات المجلس الإسلامي الأعلى هي دعوة غير صريحة لإهدار دمك، لا قدر الله؟
أنا لا أخشى ذلك بتاتا لأنّ الموت واحد مهما تعددت أسبابه وأنا لا أخافه أبدا فقد علمتني تجربتني كمراسل خلال الحرب الأهلية اللبنانية ـ حيث عملت تحت القنابل وزخات الرصاص تحيط بي من كل جانب وصوب ـ لقد تعلمت أنه إذا كان الموت موجودا فأنا لست بموجود وإذا كنت موجودا فالموت ليس موجودا.. هذه هي فلسفة الحياة الجامعة بين مخيار الموت ومخيار الحياة المتناقضين وأنا اخترت دائما وأبدا مخيار الحياة...
ـ ماهو تعليقك على تصريح القيادي السابق بالنهضة حمادي الجبالي  القائل بأن نظامي بورقيبة وبن علي هما سبب بروز ظاهرة الإرهاب في تونس؟
(بنبرة متهكمة) وهل هذا كلام؟ في البدء يجدر القول إن ظاهرة الإرهاب لم تكن موجودة وقتها أبدا.. أنا فقط أقول إن الغلطة الكبرى للأنظمة السابقة تجسدت في تطبيقها للمفهوم الثقافي الخطير وهو ما أطلق عليه بـ«تجفيف الينابيع» خاصة من قبل نظام بن علي . أنا أتساءل حقيقة ما ذا يفيد هذا المعنى. أفهل يمكننا القول أننا نجفف الينابيع؟ الأحرى أن نقول تطهيرها أو تنظيفها أو بناء المسالك والسدود لها لتسويتها... هنالك أخطاء فادحة في اختيار الألفاظ والمعاني...
ـ تعتبر بأنّ الإسلام ولد علمانيا، فكيف ذلك؟   
بالفعل الإسلام ولد علمانيا، وذلك لتوحيده بين الإيمان والعقل وتجسد ذلك في قوله تعالى «ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون» وقوله في آية أخرى «كذلك يجعل الرجس على الذين لا يؤمنون»..  هاتان الآيتان جمعتا بين العقل والإيمان وحملتا ذات المعنى. لقد نزعت النصوص القرآنية الفاصل والحاجز بين الإله والعبد لذلك لا حاجة لنا للفتاوى والأئمة فكل شيء موجود داخلها.
لكن الذي حدث في تاريخنا المدجج بالحروب والدماء  أنهم أتوا لنا بسنة «مختلقة» تم تأسيسها بطريقة دجلة فمثلا الاية التي تأسست عليها السنة والمقتطفة من سورة الحشر « وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»  تحكي عن الغنائم المكتسبة وكيفية توزيعها حيث يفيد معنى لفظ آتاكم العطاء «أعطاكم». فما دخلها إذن بالإتباع؟
كما أنّ كلمة السنّة موجودة فقط في قانون العالم فهي تفيد سنة الله التي فطر الناس عليها حيث قال تعالى « ولن تجد في سنة الله تبديلا» والمقصود هنا علوم الهندسة والفلك والنجوم...
ـ إذن هل تعتبر أنّ السنة لا وجود لها؟
أقيمت السنة من قبل أطراف اختارت لأسباب أغلبها سياسية وأغراض دنيوية  أن يكون للمتحدث أبو هريرة ثلثي الجزء من أحاديث الرسول وهو الذي لم يسلم إلا قبل 3 سنوات من وفاة الرسول. وأنا لم آت بشيء من عندي فكل شيء موثق في التاريخ.
لا بد أن نعتمد على السنة عن طريق النقد الذاتي للنصوص كما أنّنا أهملنا الدراسات الأركولوجية التي تخول لنا معرفة كيف كان يلبس الرسول وكيف كان يأكل...
ـ في كلمات، ما هي روح الإسلام بالنسبة لك؟
روح الإسلام تكمن في أنه يبعدنا عن الظلم والقهر والتسلط.. هو الذي يمكننا من الاتصال بصفة متفرّدة مع الله، المسلم الحقّ هو الذي يعتقد دائما أن أفقه محدودة بالموت والنهاية وهو الذي يترجى خالقه دائما بأن يترك في حياته من يترحم عليه ويذكره بالخير.
ـ وعبادات الإسلام؟  
العبادات هي شأن شخصي للمسلم فإن قام بها فذلك شأنه وإن لم يقم بها فذلك شأنه وشأن الإله ولا دخل للإنسان فيها قط.. من أكبر الوقاحات اليوم هو التدخل في طريقة تقرب المسلم من الله وعبادته.
ـ ما هو تقييمك للإسلام السياسي؟
الإسلام غير سياسي أو لا يكون فهو دين فقط ولا يمكن له أن يكون دولة. كما أنه تفضّل علينا بأن ختم نفسه وقال لنا إنه لا دين بعده.
ـ رأيك في مردود الإسلام السياسي في تونس؟
كارثي..
ـ وفي نشاط حزب التحرير في تونس؟
لا أتصور أنه يشكّل خطرا على البلاد.
-كيف تعتبر حالة المسلمين اليوم؟
قالها (ضاحكا باللهجة المصرية) «منيّلة» خاصة وأنّ الإسلام أصبح منذ زمان لعبة سياسية في يد العولمة
- كلمة توجهها لراشد الغنوشي
لا أخفي بأنني حاولت الاتصال به هاتفيا لأن علاقتنا تسمح بذلك لأقول له بأنّ هذه فرصته ليحاورني خاصة وأنه يعلم وأنني محاور كفء في المسائل الدينية.. أريد منه التصريح بصفته زعيما لحزب ديني يدّعي أنه مدني .
- كلمة للمفكر محمد الطالبي
ليس لدي ما أوجهه له .. كما أنني أستاء كثيرا عندما يضعونني في نفس الكوكبة مع المفكرين محمد الطالبي وعبد المجيد الشرفي وألفة يوسف فنحن ليس لنا نفس الهاجس..
- كلمة للباجي قائد السبسي
فليساعده الله..
- كلمة للشاعر الصغير أولاد حمد
أتمنى له الشفاء، هو صديقي وأنا أحبه وأقول له فلتبق شاعرا ولتبتعد عن الأشياء الأخرى الزائفة.
- الكلمة الأخيرة لك
لقد «رضعت» الوطنية منذ نعومة أظفاري وأحببت هذا الوطن كثيرا. وعندما أنطق بهذا الكلام أحس بعينيّ تدمعان. بالنسبة لي مستقبل تونس وأبناؤها هو الأهم. نحن نمر بفترة صعبة للغاية وأتمنى أن تخطئ تنبؤاتي ويأتي ما يمنح الأمل للتونسيين لأنهم يستحقون كل الخير.

حاورته: منارة تليجاني